نوبيو المهجر يطالبون بتدويل القضية
نوبيون يعتصمون في القاهرة ويطلبون حق العودة للنوبة القديمة
القاهرة - مصطفى سليمان
جدد نوبيون فى مصر مطالبهم بحق العودة الى منطقة النوبة القديمة جنوب السد العالي فى مدينة اسوان ( 1000 كيلو متر جنوب العاصمة المصرية). فيما هدد أحمد زعماء النوبيين في المهجر بتدويل قضيتهم وطرحها أمام المنظمات الحقوقية الدولية.
ودعا حمدي سليمان رئيس النادي النوبي في فيينا بالنمسا في تصريح لـ(العربية.نت) القيادات النوبية في الداخل بالكف عن طرح مطالبهم على الدولة بعد مضي 40 عاما على استمرار مشكلتهم بعد اخراجهم من أراضي النوبة القديمة التي غمرتها المياه بسبب السد العالي، مشيرا إلى أن التوجه إلى المنظمات الدولية هو الحل الأمثل أمام النوبيين في المهجر دفاعا عن حقوق اخوانهم في مصر.
وحسب أحمد اسحق رئيس لجنة متابعة القضايا النوبية فإن مساحة النوبة القديمة تبلغ 650 كيلو مترا تمتد إلى الحدود مع السودان، وتم تهجير النوبيين منها بعد أن غمرت المياه أجزاء واسعة منها تشمل قراهم وأراضيهم الخصبة، لكن هناك مساحات لم تمتد إليها المياه ويطالب النوبيون يتسكينهم فيها اضافة إلى منطقة النوبة الجديدة التي أنشأتها لهم الحكومة المصرية في مدينة كوم امبو على مسافة 50 كم من النوبة القديمة. ويتجاوز النوبيون في مصر حاليا مليونين ونصف المليون نسمة.
وكانت قد تصاعدت الجمعة 25-1- 2008 ازمة اهالى النوبة عقب فشل الاحتفالية الثانية لمنتدى صوت النوبة التى كان مقررا اقامتها فى ساحة وزارة الشباب والرياضة بالقاهرة، وذلك لتكريم الكتاب والصحفيين الذين يؤيدون مطالب النوبيين.

ووصلت الازمة الى حد تنظيم اعتصام احتجاجى أمام ضريح الزعيم المصري الراحل سعد زغلول، الا ان الجهات الأمنية تصدت لهم مما اضطرهم الى الاعتصام داخل مقر المنتدى.

احتفالية لتكريم الرموز
وقال وجيه حسن احمد عضو منتدى النوبة لـ(العربية.نت) ان ما حدث يؤكد اتجاه الحكومة المصرية نحو تأكيد شعور النوبيين بالاضطهاد، فالذي حدث أننا كنا نعتزم تنظيم احتفالية لتكريم الرموز من الكتاب والمثقفين والهيئات التى كانت تعمل من أجل قضية النوبين، ودعونا الكتاب عادل حمودة وحمد سلماوي وانيس منصور وبلال فضل والنائب محمد العمدة لتكريمهم، بالإضافة إلى جمعيتى الجزويت والفرير.

وتابع: حجزنا مسرح وزارة الشباب فى ميدان سفنكس بموافقة المسؤولين على هذا ودفعنا مبالغ مالية مقابل هذا، وقبل موعد الحفل فوجئنا باعتذار المسؤولين عن المسرح بحجة انقطاع التيار الكهربائي فقررنا الذهاب إلى النادى الاجتماعي على النيل، ولكن فوجئنا بتعقب أجهزة الأمن لنا ومنعنا من إقامة الحفل، مما يؤكد نية النظام المصري لاضطهاد النوبيين.

وأضاف وجيه حسن أنه "على اثر ذلك انفعل الشباب النوبي وكاد يشتبك مع الأمن إلا اننا منعناهم وقلنا إننا سنرد بطريق عقلانية ونعترض بأسلوب حضاري على هذه المعاملة".

وعما إذا كان هذا اللقاء الذي منع استكمالا للمؤتمر الذي منع قبل ذلك في ابريل 2007 قال وجيه: ليس هذا مرتبط بذاك، فالمؤتمر الأول كان للرد على محافظ اسوان الذي صرح أن من يريد البحث عن النوبة فليبحث عنها تحت المياه.

وقال محمد هلال رئيس مجلس محلي النوبة لـ(العربية.نت) إن ماحدث هذه المرة لم يكن متوقعا، وهو شىء يستفز مشاعر كل النوبيين ويعقد المشكلة ويجعلها تبدو في صورة اضطهاد وهو ما لا نقبله.

وأضاف أن ما حدث يثبت أن ما يقال عن هذا الأمر صحيح، وعندما يطالب النوبيون بحقوقهم لا يقعون فى دائرة الاشتباه باللجوء للخارج، فالمجتمع المصري عبارة عن فئات وجماعات ولكل فئة مطلبها العادل وحقوقها المشروعة، وحينما تعطي كل الفئات حقوقها نصبح في مجتمع متكامل ومتساو، وتنمحي اسباب التمييز، فالذي حدث في النوبة ظلم كبير لا يرضاه أحد ولن نسكت عليه، خاصة أن الحكومة المصرية لم تكتف بعدم توفير شقق لنا بل انها تقوم بتسكين أناس غرباء عن النوبة في المساكن التي بنيت لهم تعويضا عن النوبة القديمة.

وأكد محمد حلمي رئيس مجلس محلي مركز منصر بالنوبة الجديدة التي بنتها الدولة عقب بناء السد العالي لـ (العربية.نت) أن مطالبنا لا تتعلق بتمييز أو شعور بالاضطهاد، بل هي مطالب عادلة تتمثل في فصل دائرة نصر النوبة الانتخابية عن دائرة كومو امبو بمحافظة أسوان، لأن مشاكل النوبيين مشاكل خاصة، ولا يوجد ممثل لنا في مجلس الشعب (البرلمان).

وتابع بقوله: يجب توفير 5221 منزلا بدلا من تلك التي هدمت في الستينيات عندما تقرر بناء السد، وهو دين على الدولة لم تف به حتى الآن. وقال إن هناك 10 آلاف أسرة مشردة منذ 40 عاما.

وتساءل عن نصيب أهالي النوبة في القرى التي تبنيها منظمة الفاو على ضفاف بحيرة ناصر التي تكونت بفعل السد العالي.

10% فقط تم تعويضهم
وأوضح حلمي أن 10% فقط من أهالي النوبة حصلوا على منازل بديلة، في حين أن أغلبية المنازل والافدنة يتم توزيعها لغير النوبيين، فالمشكلة ليست سياسية بل هي مشكلة اقتصادية، فلك أن تتخيل أن الجمعيات النوبية التى كانت تعمل على صيد الاسماك تم حلها وبيعت للمستثمرين، مما أدى إلى ازمة في الاسماك فى أسوان التي كانت تصدر إلى الخارج، حيث ارتفعت أسعارها.

وقال طارق اغا رئيس لجنة الاسكندرية لمتابعة قضايا النوبة لـ(العربية.نت) إنه "كان معارضا لطرح قضايا النوبة بمعزل عن طرح كل قضايا مصر ولكن ماحدث معنا مؤخرا يؤكد أن الحكومة المصرية ليس لديها نية لاحتواء المشكلة النوبية، ومن ثم يجب أن لا يلومنا أحد اذا لجأنا للخارج.

وأشار إلى احتفاظه بقائمة من كبار المستثمرين اعطتهم الحكومة 400 الف فدان، فى حين لو تم توزيع هذه الأراضي على شباب النوبة لأمكن غنقاذهم من البطالة.

وتساءل طارق عن "سبب الذعر الأمنى من القضية النوبية حتى انهم يمنعوننا من إقامة مجرد حفل صغير مما جعل الأمور تخرج عن نطاق الظلم إلى الاضطهاد الصريح، فنحن نحاول أن ننفي فكرة الاضطهاد وان تكون تحركاتنا تحت المجهر والعلم المصري، ولكن الحكومة هي التي تصنعها".

وقال: لا نريد أن نعطي أي أحد فرصة لتدخل أحد وسنعمل على ذلك كقيادات نوبية، ولكن في المقابل يجب أن تساعدنا الجهات المسؤولة في مصر، وان تستمع لمطالبنا وإلا سيصبح الوضع خارج السيطرة.

نوبيو المهجر يهددون
وفيما يبدو أنه اتجاه لتصعيد المشكلة دوليا وتأسيس جماعات ضغط نوبية في الخارج على غرار أقباط المهجر، فقد حضر الاحتفالية الملغاة الناشط النوبي حمدي سليمان رئيس النادي النوبي فى فيينا وقال لـ(العربية.نت) إن الحكومة المصرية تشن حربا على القضية النوبية، فليس مصادفة ان ينقطع التيار الكهربائي مرتين فى الأماكن التي كان مقررا إقامة الاحتفالية بهما.

وتساءل ما الداعي إلى وجود سيارات الأمن المركزي تحيط بمقر رابطة أبناء النوبة ومقر الاحتفالية، داعيا إلى "طرح القضية النوبية في الخارج فهناك استدعاءات أمنية مستمرة لقيادات نوبية وهي بذلك تغلق كل أبواب التشاور والحوار".

وقال سليمان: ازاء هذا الأمر نحن أمام خيارين.. أما انفجار نوبي أو الاتجاه إلى الخارج لعرض مشكلتنا، وادعو النوبيين أن يستغلوا الضغوط التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي لكي يعلم الاتحاد أن في هذه البقعة من الأرض قضية انسانية وحضارية في المقام الأول قبل أن تكون قضية اقتصادية، واوجه للمرة الاخيرة نداء للقادة النوبيين كفى حديثا فى الداخل.

وكانت لجنة متابعة قضايا النوبة قد اصدرت الثلاثاء 11 -9 -2007 بيانا يطالب الحكومة بإعادة النوبيين المصريين إلى أراضيهم القديمة جنوب السد العالي.

أوضح احمد اسحق رئيس لجنة متابعة القضايا النوبية لـ(العربية.نت) أن مساحة النوبة القديمة تبلغ نحو 650 كم وتمتد إلى الحدود مع السودان، حيث يقطن نوبيون أيضا على الضفة الأخرى من النيل إلى ما بعد مدينة حلقا القديمة في السودان.

وأضاف: تم تهجير النوبيين من هذه المنطقة عام 1964 عند بناء السد العالي في أسوان بعد أن أغرقت المياه مساحات منها تشمل مساكن بعض القرى وأراضيها الزراعية الخصبة، ولكن هناك امتدادا لهذه المساحات لم يغمره المياه، وهو الذي نطالب ببناء قرى جديدة عليه بنفس مسميات القرى التي غرقت، وبحيث تشكل امتدادا للمنطقة التي تم نقلهم إليها بعد التهجير، في مدينة "كوم أمبو" على بعد حوالي 50 كم من منطقة النوبة، ولا يمكن التخلي عنها حاليا بعد الزيادة المطردة في عدد النوبيين الذين يتجاوزون حاليا مليونين ونصف المليون نسمة.

توطين غير نوبيين
قال أحمد اسحق: لقد تم بالفعل بناء بعض القرى جنوب السد العالي بالقرب من ضفاف النيل في النوبة القديمة، لكنها اعطيت لسكان غير نوبيين ينتمون لمحافظات أخرى في شمال مصر.

وتابع: ما نطلبه الآن أن تكون هذه القرى من حق النوبيين فقط باعتبار أنها منطقتهم التي عاشوا فيها طوال تاريخهم، وهذا حق لنا، لكن الدولة تريد توطينهم في منطقة "وادي النجرة" وهي أرض صحراوية قاحلة تتميز بتصدعاتها الرملية مما يعرض البيوت للانهيار بالاضافة إلى أن بناء المنزل فيها يكلف أكثر من ضعف مثيله في النوبة القديمة.

وأكد أحمد اسحق أن الهيئات الممثلة لأهل النوبة كانت لها 14 مطلبا منها تدريس اللغة النوبية لأبناء النوبة في مناهج التربية والتعليم، وانشاء دوائر انتخابية، لكن هذه المطالب تركناها حاليا، ولخصناها في قضية واحدة وهي حق العودة لأرضنا، واعتبرنا أن ذلك كافيا لحل تداعيات المشاكل الأخرى.

وأضاف أنهم يقومون بجهودهم الذاتية بتدريس اللغة للأجيال الجديدة وللنساء بتنظيم دورات تعليمية لهم "ومع هذا لا نجد سببا واحدا لعدم تدريسها رسميا مع أنها تدرس في جميع جامعات الغرب، وهي لغة كتابة وقراءة ولها قواعدها وأملك منها سبعة مراجع" على عكس الشائع عنها في الأوساط غير النوبية.

وأشار إلى أن حظ الثقافة النوبية في التعليم المصري من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية لا يتجاوز نصف صفحة، موضحا أن لجنة متابعة القضايا النوبية التي يترأسها منبثقة عن مؤتمر التوطين والتطوير الذي يمثل الجمعيات والهيئات والنوادي النوبية في مصر.

اليوم النوبى لإنقاذ النوبة فى الكونجرس الامريكى
الزمان: يوم الاثنين الموافق 10 مارس 2008
من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الثامنة مساءا
المكان: مبنى الكونجرس الامريكى
Rayburn Foyer

لجنة إنقاذ النوبة ومناهضة السدود – فرع امريكا
بالتنسيق مع:
The Institute on Religion and Democracy
The Marginalized Forces Forum for Peace & Development
Southern Sudanese Voice for Freedom
تقيم
معرض صور ولوحات وافلام توثيقية من 9 صباحا حتى 8 مساءأ
حفل استقبال – حوار ونقاش ثقافى من الساعة 5.30 مساء حتى الساعة 7.30 مساءا
وسيشارك بالحضور والتعليق نواب الكونجري الامريكى
Trent Franks (R-AZ
Donald Payne (D-NJ
Michael Capuano (D-MA

ويشارك فى اليوم النوبى كل من:
Dr. Arif Gamal, Berkeley University
بحديث عن مخاطر سدى كجبار ودال على النوبة ارضا وانسانا وتراثا وثقافة
Carolyn Cole, Los Angeles Times
بصور عن المنطقة النوبية المعرضة لمخاطر السدود
Khalid Kodi, Boston College
بمعرض عن النوبة ومهددات الحضارة النوبية
والفنان النوبى الكبير هادى عثمان الذى سيقدم نماذج من الفن النوبى
ويدير فعاليات الحوار والنقاش
نورالدين منان من لجنة إنقاذ النوبة ومناهضة السدود بامريكا
كما يشارك عدد من المنظمات المعنية بحقوق الانسان فى هذا اليوم

والدعوة عامة
للاتصال والاستفسار
نورالدين منان: 2404416993
احمد عالم: 2023525050

الإخوة والأخوات، أعضاء موقع عبري تبج الأغر؛ تقبّلوا أحرّ التّحايا منّي مشفوعة بالاعتذار لتوقّفي عن المشاركة، وذلك للعديد من الشّواغل. ثمّ الشّكر للأخ رمزي لافتراعه هذا البوست الثّرّ والغني، مع بعض العتاب، وذلك لمروره بالسّودان دون أن نسمع أو ندري، وإلاّ كنّا ركبنا له المطايا. فالأخ رمزي يهاتفنا من السّعوديّة، وليس أيسر من ذلك في حال كونه بالسّودان. ثمّ الشّكر للأخ الصّديق صلاح شاطر، وذلك لتوسّمه الخير في قلمي وحثِّه لي بالكتابة.

وبعد؛ موضوع سدّ دال ليس جديداً، وقد ورد أوّل خبر له في جريدة الخرطوم، العدد 13/12/2003. أي قبل خمس سنوات. وقد أوردنا الخبر في حينه عبر العديد من المواقع، مثل عبري تبج، وصاي، والموقع النّوبي العالمي، وعمارة وغيرها. ليس هذا فحسب، بل شفعنا ذلك بكشف الخطّة من وراء إنشاء هذا السّدّ، والتي تتكوّن من عدّة محاور، أوّلها إفراغ المنطقة من سكّانها بغية توطين ملايين الفلاّحين المصريّين. وهو الموضوع الذي كنّا قد اثرناه من قبل في مذكرة مجموعة العمل النّوبي لكوفي عنان في أبريل 2004م. وهذا سيناريو قد تواترت بشأنه العديد من الأدلّة الدّامغة، ممّا كنّا قد نشرناه على الملأ في نفس المواقع المشار إليها سابقاً. حينها تشكّك البعض، ليس في صدق تلك الأخبار التي كانت في الواقع منقولة من صفحات الجرائد، بل تشكّكوا في نوايانا. ولكن لا أعتقد أنّنا نحتاج الآن إلى تكرارها، إذ صحصح الحقُّ وأصبحت في حكم المعطى.

وللعلم، عمليّة "مسح الجوخ" للمصريّين ومداهنتهم لا تقف على هذا النّظام فقط. فمع أنّ هذا النّظام غير مؤهّل فنّيّاً وأخلاقيّاً ليحكم مباراة في كرة القدم في قرية صغيرة نائية، دع عنك أن يحكم بلداً وشعباً في حجم السّودان، وبالتّالي غير مؤهّل ليؤتمن على مقدّرات هذا الشّعب ـ مع كلّ هذا، لا يقف هذا النّظام وحده في صفّ العمالة والانبراش لمصر. ففي عام 2000م أصدر الصّادق المهدي كتاباً بعنوان نهر النّيل: الوعد والوعيد، نشر ضمن مطبوعات مركز الأهرام للدّراسات الاستراتيجيّة، فيه دعا وبصريح العبارة إلى هجرة المصريّين للسّودان بغية الاستيطان والزّراعة فكّاً للاختناق السّكّاني أوّلاً، ثمّ فكّاً للضّائقة والفجوة الغذائيّة ثانياً. ليس هذا فحسب، بل ذهب الصّادق إلى ابعد من ذلك في منزلق العمالة، إذ ناقش إمكانيّة "لملمة" القرى السّودانيّة المتناثرة هنا وهناك في تجمّعات كبيرة، إفساحاً للمجال للمصريّين. وقبل شهور قليلة وفي ندوة عن السّدود ومبادرة حوض النّيل بدار المهندس كنت ضمن الحضور ومعي عثمان إبراهيم سكرتير لجنة البلد المناهضة لسدّ كجبار وعدد غفير من النّوبيّين، قال الصّادق المهدي وبالحرف الواحد: إنّ الحلّ للمشكلة المصريّة تكمن في النّزوح إلى السّودان لزراعة أراضيه الجاهزة بدلاً من تبديد الموارد في استصلاح الأراضي بمصر في غير ما فائدة. وقد نقلت عنه بعض الصّحف ذلك. فإذا كان هذا ما سينوبنا من حزب الأمّة، علينا أن نتصوّر ما قد ينوبنا من الأحزاب الأخرى ـ هذا دون أن نُشير إلى أنّ هناك أحزاباً كبرى مثل الاتّحادي بمتخلتف تشظّياته تستمدّ أيديولوجيّتها من فكرة الاتّحاد مع مصر.
والأدهى والأمرّ أنّ هذا ليس إلاّ واحدة من حالات العمالة والانبراش التي أصبحت عليها العديد من القوى السّياسيّة. فبالرّغم من أنّ نظام الإنقاذ هو أسوءها حتّى الآن، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّه نهاية السّيئين؛ إذ ربّما كان حلقة في سلسلة التّهور التي ظللنا نشهدها منذ الاستقلال. فعندما كانت العلاقات بين الخرطوم والقاهرة أوّل سنيّ الإنقاذ على أسوأ ما تكون، قام النّظام المصري باحتضان المعارضة لا لشيء إلاّ لتدجينها. فالنّظام المصري كان أوّل من بادر بالاعتراف بانقلاب الثّلاثين من يونيو ليقوم بعد ذلك باحتضان المعارضة. وفي الحقيقة، بقدر ما كان النّظام المصري سعيداً بتقاطر أفواج القوى المعارضة لنظام الإنقاذ نحو القاهرة، بقدر ما كان سعيداً بسيطرة نظام عسكري غاشم لمقاليد الأمور بالسّودان ـ بالضّبط كما أشارت إلى ذلك مذكّرة مجموعة العمل النّوبي لكوفي عنان، إذ تقول: "قد كانت أنظمة الحكم العسكرية الديكتاتورية هي الأسوأ للسودان، الأفضل دائما لمصر، حيث يسهل التعامل معها لتمرير سياسات مصر التوسعية. ففي حالة السد العالي منتصف القرن العشرين وفي الحالة الر اهنة كان لمصر نظام عسكري ديكتاتوري في الخرطوم كيما تتعامل معه". وعندما تمكّنت القاهرة من تطويع نظام الخرطوم الفالت، كانت قد نجحت في الجانب الآخر من تدجين العديد من القوى السّياسيّة المعارضة. وليس أدلّ على ذلك من قيامها بتدبير اتّفاق القاهرة الذي انتهى بالتّجمّع الدّيموقراطي إلى الدّخول في مصالحة بلا شروط وبلا حقوق مع نظام غير جدير بأيّ تصالح، وغير جدير بأيّ نوع من الشّراكة غير الفساد. وها هم الآن يجلسون في قاعات المجلس الوطني الذي أسّسه النّظام، مع فارق لغوي بسيط فيه ما فيه من اجتراء؛ إذ طفقت العديد من الصّحف، بإيعاز من أجهزة النّظام، في إضفاء اسم "البرلمان" على هذا المجلس الكسيح. وفي الواقع تقف الآن أغلب هذه القوى السّياسيّة والأحزاب، إن لم تكن جميعها، في خانة المتّهمين في التّفريط في سيادة هذه البلاد. فحتّى الآن فيما يتعلّق بموضوع السّدود والخطّة الرّامية لإفراغ المنطقة من السّكّان لم تجرؤ ولا قوّة واحدة من هذه الأحزاب إلى استنكار الدّور المصري الذي يسعى بقدميه ويديه للاستفادة من انبراش هذا النّظام العميل.

أمّا المحور الثّاني لبناء سدّ دال، والذي سنتوقّف عنده قليلاً، فهو معالجة مشكلة خلو ماء النّهر بعد منطقة أرض الحجر من الطّمي تماماً. وتتلخّص الخطّة في حفر قناة تجري بموازاة نهر النّيل بالضّفّة الغربيّة لترفد بالطّمي نفس النّهر في موقع بعينه بين السّدّ العالي وخزّان أسوان. فقد طفحت مؤخّراً الصّحف المصريّة بالعديد من التّصريحات والمقالات التي قام بها عدد من المسئولين الرّسميّين، ومنهم من كان وزيراً سابقاً للرّيّ والموارد المائيّة، حيث قال ما معناه بعد شرحه لضرورة لشقّ هذه القناة: "سنقوم ببناء سدّ في الجنوب في قرية اسمها دال" ـ كذا! دون أن يكلّف نفسه أن يُشير إلى أنّ هذا "الجنوب" الذي يعنيه إنّما يقع داخل حدود دولة أخرى هي هذا السّودان الهامل، فتصوّروا! لك الله يا وطني!

ففي زمن الدّميرة كثيراً ما تصعد الأسماك إلى سطح الماء تلمّساً للأكسجين بعد أن استعصى عليها أمر ذاك المذاب في الماء من كثافة نسبة الطّمي. عندها يخرج النّاس بالمراكب ليلتقطوا بأيديهم الأسماك المخنوقة جرّاء قلّة الأوكسجين. هذا هو واقع الحال إلى ما بعد قرية عكاشة، أو تحقيقاً إلى نهاية حدود أرض الحجر. لكن ما إن يصل النّهر إلى حدود حلفا القديمة حتّى يروق الماء، فإذا به صافٍ كالبلّور. والسّؤال هنا هو: أين ذهب كلّ ذلك الطّمي، أو تحقيقاً، كلّ ذلك الطّين المذاب في الماء؟ الجواب: ترسّب في قاع البحيرة في المنطقة المعروفة باسم "أرض الحجر". لكن ما لا يعلمه الكثيرون هو أنّ ذلك الطّين كان يحتوي على مقادير معتبرة من الأملاح، فلمّا ترسّب الطّمي، احتفظ الماء بتلك المقادير من الأملاح، فالطّمي يترسّب، لكن الأملاح تظلّ عالقة بالماء الأمر الذي يعني أنّ الماء أصبح مشبّعاً بالملوحة. وتشبّع الماء بالملوحة يعني أنّه ليس فقط أصبح غير صالح لريّ المحاصيل، بل أصبح يهدّد التّربة الطّينيّة الغرينيّة بتحويلها إلى أرض سبخة. وليت الأمر يقف عند هذا الحدّ، إذ تتّصف المياه الخالية من الطّمي مع التّشبّع بالملوحة بقدرة عالية في تجريف التّربة. فالجدول الذي كان في مقدور النّساء كبيرات السّنّ ان يقفزن عليه، يصبح بعد مدّة قليلة على درجة من الاتّساع بحيث يصعب على الحمير والبغال أن تقفز عليه. وهذا هو نوع الماء الذي يصل إلى مصر من نهر النّيل. وقد كان من آثار هذا أن انهارت الزّراعة في مصر، خاصّة مع موجة الأغذية العضويّة Organic التي سيطرت على أغلب أسواق العالم المتقدّم. وقد أشرت في كتابي رسالة كجبار مرّة أخرى إلى هذا بتوسّع وبمراجع علميّة تعتبر سُلطة في مجالها، فليُراجع في موضعه.

أمّا سدّ دال فسوف يُغرق المنطقة من دال صعوداً إلى قرية كِدْ أُرْمَا جنوب دلقو؛ أي على بعد حوالي 6 كيلو مترات شمال شلاّل كجبار. فإذا علمنا أنّ سدّ كجبار من المخطّط له أن يُغرق المنطقة من كجبار صعوداً إلى الجزء الشّمالي من جزيرة مقاصر، أمكننا ذلك من تكوين فكرة عن حجم المخطّط الشّيطاني الذي يواجهه النّوبيّون. وتزداد الصّورة قتامة إذا علمنا أنّ سيناريو غرق حلفا سوف يُتّبع بأسلوب وقع الحافر على الحافر، أمكننا ذلك من أن نستنتج أنّ الهدف النّهائي للمخطّط هو القضاء على الوجود النّوبي بشمال السّودان. فهذا يعني إفراغ المنطقة من دنقلا نزولاً إلى أسوان من سكّانها التّاريخيّين. ولتكتمل الصّورة عليك أن تُضيف إليها سيناريو الاستيطان المصري، وفق ما اتّضحت خيوط التّآمر فيه ممّا افضنا في ذكره في سابق كتاباتنا بهذه المواقع.

ولكن بما أنّ وحدة تنفيذ السّدود قد أصبحت تتّبع الأسلوب الصّيني في مراوغة وغشّ وخداع السّكّان الطّيّبين الذين تتأثّر مناطقهم من إقامة السّدود ـ وهذه للعلم أقذر مدرسة في الغشّ والخداع تفتّقت عنها عبقريّة الشّيوعيّة الصّينيّة ـ فقد أصبحت تخرج لنا صباح مساء بمجموعة لا حصر لها من الأنباء المتضاربة. فواحدة من الدّروس الصّينيّة التي رصدتها المنظّمات الدّوليّة المناهضة لإقامة السّدود تنصح النّظام الحاكم بأن يُغلّف موقفه الرّسمي بمجموعة من الأخبار المتناقضة والمتضاربة. فالمهمّ في الأمر هو أن يحافظ النّظام على سيرورة انشغال النّاس بسيل الأخبار الغريبة والتي قد تبدو كما لو كانت صادرة من جهات غير عاقلة، دع عنك أن تكون جهات رسميّة. من ذلك الخبر الذي نشرته صحيفة السّوداني قبل عدّة ايّام في مربّع صغير، بل مجهري، في ركنٍ قصيّ بصفحتها الأخيرة، وفحواه التّوقيع على عقد بناء كبري دال. فبناء كبري في دال يعني أنّه سيكون كوبري دال ـ سركيمتّو بالضّرورة، أللهمّ إلاّ إذا كان سيربط قرية دال بالسّموات العُلى. ولكن ما الفائدة في بناء كوبري في سركيمتّو سوف يستدعي أوّل ما يستدعي حفر نفق في جبل ميمّي، أو نسف الجبل لشقّ طريق سالك به؟ ثمّ ماذا يعني بناء كوبري في منطقة من المخطّط أن يقوم بها سدّ منيع؟ أوليس السّدّ نفسه عبارة عن كوبري؟ إلخ ... إلخ. فالمهمّ أن يكون النّاس في شغلٍ يُغنيهم عن أن يحتفظوا ببصيرتهم سالمة ومعافاة.

فكما قال الشّاعر:

هذا كلامٌ له خبيءٌ ************************************************ معناه ليست لنا عقولُ

ولكن أخطر ما رشح في لعبة الإخفاء والإظهار المعلوماتيّة التي تمارسها إدارة تنفيذ السّدود هو صرف النّظر عن موضوع سدّ كجبار، والاستعاضة عنه بسدّ دال. ولكن السّؤال هنا هو أين ستقف بحيرة سدّ دال؟ في كِدْ أُرْمَا شمال كجبار، أم أنّنها سوف تتمدّد إلى حدود جديدة؟ أقوى الاحتمالات الآن ـ وهي ممّا ينبغي التّعامل معها على أساس أسوأ الاحتمالات ـ أنّ سدّ دال سوف يتضخّم ليغرق المنطقة من دال صعوداً إلى تُمْبُس، ايّ بحوالي 6 كيلو مترات شمال كرمة. والسّبب في ذلك فضلاً، عن نجاح معارضة أهلنا المحس الأشاوس، يكمن في الحيلولة دون انضمام دنقلا ومحس كرمة لركب المقاومين، خاصّة وأنّه من تُمْبُس جنوباً ستكون الخسارة فادحة في حال قيام السّدّ، وذلك نسبةً للقيمة المادّيّة والاقتصاديّة الضّخمة لسهول كرمة وحوض أرقو وحوض السّليم. فمثل هذه الخسارة الفادحة ممّا يمكن أن يزيد من ضراوة المقاومة، خاصّة وأنّ هذه المناطق تشهد كثافة سكّانيّة كبيرة نسبيّاً إذا ما قورنت بالمنطقة شمالها.

ثمّ الإعلان عن صرف النّظر عن كجبار من شأنه أن يدقّ إسفيناً بين المحس جنوب كجبار والمحس شمال كجبار. فالمجموعة الأولى هي التي وقع عليها عبء الرّفض والمقاومة، بينما ظلّلت مواقف الكثيرين من أبناء المجموعة الثّانية العديد من صور الانكسار وقبول السّدّ بانتهازيّة جبانة بحجّة عدم تأثّرهم، وهو الاحتجاج الذي غلّفوه بالكلام الممجوج من قبيل الحرص على التّنمية وضرورة التّضحيّة إلخ. وعلى هذا يكونوا قد جرّدوا أنفسهم من حجّيّة رفض قيام سدّ دال. أمّا عن السّكّوت، فقد انبنت حساباتهم على أنّ المنطقة تكاد تخلو من سكّانها الذين هجروها جرّاء الدّهورة التّنمويّة والإفقار المنظّم. وتكمن الخطورة في أنّ نفس هذا الإفقار سوف يتّخذ سلاحاً للتّفريق بين من غادر المنطقة ومن بقي فيها، من قبيل ما أشار إليه البعض أعلاه ـ ولكن هيهات.

وهكذا، يمكن ان نستمرّ في تحليل تكتيكات النّظام القائمة على اختراع الأكاذيب وفق ما رفدت به التّجربة الصّينيّة في التّحايل وخداع المغلوبين على أمرهم. ومن ذلك أيضاً سعي المعتمد إلى تكوين لجنة من شياخات المنطقة، وهو اجتماع قد قام بالفعل، وقد حاصره فيه ممثّلو اللجان الشّعبيّة بالمنطقة بالعديد من الأسئلة، وأغلبهم من محاسيب النّظام، فلم يُحر عنها جواباً، فكان أن انفضّوا من حوله مستريبين متشكّكين، حتّى لو لم يجرؤ أغلبهم على رفع عقيرتهم بالاستنكار. ثمّ من ذلك أيضاً تجميع محاسيب النّظام وشذّاذ الآفاق من كلّ فجٍّ ضحلٍ غير عميق، وذلك لاستقبال ضابط الأمن الذي تمّ تعيينه في منصب الوالي. وبالفعل قامت مجموعة الهتّيفة بدورها متظاهرين بأنّهم يمثّلون أهالي دال، ودال منهم بريئة. فالنّاس يعرفون الذين هتفوا واحداً واحداً، ومن أيّ صقعٍ أو مصرٍ قد أتوا. نعم فيهم بعض أهل دال، ولكن أيُّ القرى تخلو من الأشقياء الذين يخرجون للنّاس يوم المحفل كما لو تلبّسهم الشّيطان، تطاردهم اللعنات.

ثمّ نأتي لموضوع الآلات وخبر وصولها إلى دال؛ نعم تأكّد لنا هذا الخبر! ولكن ماذا يعني؟ يا سادتي السّدود لا تُبنى بين عشيّةٍ وضحاها، بل تحتاج إلى سنوات وسنوات. فإذا اضفنا إلى ذلك كونها مأكلة ما بعدها مأكلة للسّحت والمال العام، أدركنا أنّ التّعجيل بقيامها هو آخر ما يمكن أن يخطر على بال من يقومون بتنفيذها، سودانيّين كانوا أم صينيين. وإذا اضفنا إلى ذلك مجانبة العلميّة والشّروط الفنّيّة اللازمة لبناء السّدود بوصفها عملاً إنشائيّاً ذا طبيعة فنّيّة بحتة، وصلنا إلى استنتاج أنّ خبر وصول فريق صيني أو كوري أو ماليزي أو سوداني أو هلمّ جرّا لا يعني شيئاً جديداً زائداً عمّا وصل إليه الحال. فبناء سدّ يحتاج قبل كلّ شئ إلى لجان حصر الموجودات ممّا يتوجّب التّعويض عن خسارتها. يا سادتي بدأ العمل في سدّ مِرْوِي عام 2000م، وها هو في عامه التّاسع دون أن ينتهي فيه العمل. وهناك أخبار عن العديد من أوجه الخلل الفنّيّة في بنية السّدّ نفسه ممّا أخّر انتهاء العمل فيه. فالمنطقة عبارة عن حقول بركانيّة خامدة، وهناك الآن مؤشّرات لتحرّكات بركانيّة كنتيجة طبيعيّة لقيام السّدّ. وأوّل ما يظهر منها في مثل هذه الحالات ما يسمّى Water Shafts وهي انبثاقات المياه المنطلقة بقوّة من باطن الأرض. وقد ظهر منها حتّى الآن إثنان على أقلّ تقدير؛ واحد بالقعب بدنقلا والآخر ـ وهو الأخطر ـ فوق جبل كُلْقيلي، وهو أحد أكتاف سدّ مِرْوِي. وطبعاً يصعب التّأكّد من مثل هذه الأخبار في ظلّ التّكتّم والسّريّة الشّديدة التي تعالج بها وحدة تنفيذ السّدود شأناً عامّا وفنّيّاً بحتاً مثل بناء سدّ.

وهنا قد يقول قائل: ومن يدرينا لعلّ هذا النّظام يفعل بالضّبط هذا الشّئ؟ عندها تكون أجمل هديّة يمنحها لنا هذا النّظام البليد المتعجرف. إذ ليس أيسر من تأليب الرّأي العام الدّولي ضدّ خطوة كهذه.


ولكن؛ وما أدراك ما لكن!

ماذا بشأن المقاومة؟

هذا ما ساقوم بتدبيج الرّدّ عليه غداً أو بعده إذا ما سخّر الرّحمنُ لنا في ذلك سببا ـ بعد هذه التّدبيسة من صلاح شاطر، لكن لا بأس من التّأكيد على أن المقاومةا بخير، وتعتبر الأكثر تقدّماً وتماسكاً وانضباطاً حتّى الآن في جميع ما تمّ من صور وأشكال مقاومة السّدود، ليس على مستوى السّودان من لدُنْ غرق وادي حلفا فحسب، بل وعلى مستوى العالم. وهذا لسبب بسيط ألا وهو القوّة التّمثيليّة التي انبنى عليها الجسم المنوط به مناهضة قيام هذا السّدّ. وهذا كلام أنا مسئول عنه. ولا يأخذنّ أحد كلامي هذا على أنّه يشتمل على أنّ نوع من الضّمانات؛ إذ ينصبّ حديثي وينحصر في الهيكليّة دون الأداء الذي ستكشف عنه مقبلاتُ أيّامنا، وسيكون بإذن الله ممّا يرفع راسنا عالياً ليس بين السّودانيّين فحسب، بل بين الأمم، وعندها سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون؛؛؛؛

ودمتم جميعاً؛؛؛؛؛

محمّد جلال أحمد هاشم

(Nubian cultural Society In France)